تجربتي مع التواصل اللاتزامني

قررتُ منتصف عام 2019 أن آخذ إجازة طويلة؛ لذا قدمت استقالتي من عملي وسافرت وأسرتي إلى أوروبا وشمال أفريقيا. ثم في مارس 2020 قررت أن أعود إلى سوق العمل (توقيت جيّد 😃). كان حال بيئة عملي الجديد كحال أي بيئة عمل تقليدية في أي مكان حول العالم بشكل عام وفي الرياض بشكل خاص، كانت تلك البيئة المكتبية التقليدية التي تتطلب منك الحضور بشكل يومي إلى مقر العمل والبقاء هناك ضمن ساعات العمل الفعلية. لكن جائحة كورونا سبقتني إلى مكتبي؛ فقد أبلغتنا الشركة بوجوب العمل من المنزل بسبب ظروف الجائحة. 

كانت وظيفتي في البداية أقرب ما تكون إلى المستشار؛ حيث كنت أعمل مع فِرَقٍ ومشاريع مختلفة، وكنت اتواصل كتابيًا من خلال برنامج (Microsoft Teams) كلما سنحت لنا الفرصة بذلك، لكن للأسف كان التفاعل بهذه الطريقة ضعيفًا؛ لأن الثقافة السائدة هي المكالمات الهاتفية والاجتماعات المرئية. حاولت إنشاء القنوات المختلفة (Channels) باستخدام برنامج (Microsoft Teams) لتلقي التحديثات حول مشاريع معينة وتقليل الاجتماعات قدر المستطاع، لكن هذه الطريقة أيضًا لم تلقَ تفاعلًا من الفريق.
قد تتسائل: لماذا كنت أحاول نشر هذه الثقافة؟ ما هي مشكلة التواصل المرئي والصوتي؟ لا أختلف معك أن التواصل المرئي والصوتي مهمان، ولكنهما محدودان. إذا افترضنا أن لديك 8 ساعات للعمل كما هو متعارف عليه في جميع الشركات، وإذا اعتبرنا أن 4 ساعات من هذه الساعات هي اجتماعات مرئية وصوتية، يتبقى لك 4 ساعات فقط للعمل، التفكير الإبداعي، الرد على البريد الإلكتروني، التعليق على المستندات… إلخ، طبعًا دون أخذ الاستراحات وتناول الوجبات بعين الاعتبار.

لم تكن هذه مشكلتي الوحيدة مع التواصل الصوتي، فأنا أرى أنه غير قابل للتوسع، أي أنك محدود بفئة معينة لتتواصل معها. أما التواصل الكتابي فإنه يُمكّنك من السؤال عن 10 مواضيع في نفس الوقت، إبداء رأيك في أي موضوع تشاء… إلخ. فميزة التواصل الكتابي أنه يعطيك الوقت الكافي كي تفكر إذا احتاج الموضوع للتفكير، مثل بعض القضايا في العمل والتي لا يمكن البت فيها في اجتماع لحظي، بل على العكس تمامًا تحتاج إلى أن تتخمر في عقلك لبعض الوقت حتى تصل إلى أفضل الحلول.

في شهر يوليو تغيّر دوري وأصبحت أُدير المنتجات وأُشرف على فريق مكون من 35 شخص. أما عن ثقافة التواصل في الشركة، فهي تعتمد بشكل رئيسي على التواصل اللحظي الصوتي، أي على الاجتماعات؛ لذا قررت أن أجرب التواصل الكتابي مرة أخرى من خلال برنامج (Microsoft Teams). 

كانت حالة التغيير والهيكلة في الإدارة هي التحدي الرئيسي في ذلك الوقت، وكان لدينا أهداف لابد من تحقيقها، وقد سمح لي التواصل الكتابي كمدير من الإطلاع على الكثير من الأمور وتعلُّم التفاصيل التي تمكنني من اتخاذ القرارات المناسبة، بالإضافة إلى المحافظة على نمط حياة صحي، حيث أنني لم أكن أعمل بعد الساعة السادسة مساءً -إلا في حالة الضرورة-. وقد كنت أحث جميع الأفراد في الإدارة على التواصل معي كتابيّا اولاً، ومن ثم نقرر إذا كان هناك حاجة إلى عقد اجتماع أو عمل مكالمة استنادًا إلى أهمية الموضوع، وأحيانًا كنا نتقابل وجهًا لوجه (عندما يكون الموضوع متعلقًا بالحياة الشخصية وجلسات الFeedback). 

طبعًا ، حاولت أن أُفعّل نمط التواصل اللاتزامني في العمل، حيث أن أغلب عملنا هو عمل معرفي (Knowledge work) ويتطلب منك إنشاء المعلومات، فقد كنت أطمح إلى أن نقلل إرسال الملفات خلال البريد الإلكتروني ونعمل على الملفات (Online) و نستخدم خاصية التعليق.

من منظوري كانت التجربة رائعة؛ فقد تمكنت من عمل الكثير. سأعمل في المستقبل على تعزيز الجانب الاجتماعي، فربما أقوم بترتيب أيام يتواجد فيها الفريق في المكتب أو شيء من هذا القبيل. أما الآن فقد غادرت هذه الوظيفة، لكنني و من باب التعلّم ما زلت متواصلًا مع اثنين من الأشخاص الذين كنت أعمل معهم بشكل مباشر؛ لمعرفة كيف كانت التجربة من منظورهم. وفيما يلي تجربة كل منهما على حدى، يرويها كلٌ من منظوره:

تجربة 1

بالنسبة لهذا الموضوع فلدي الكثير وأتمنى أن يسعفني (الكيبورد Keyboard) والوقت.
تجربة التواصل اللاتزامني (Asynchronous Communication) بشكل عام تجربة عظيمة جدًا ولها أثر كبير على الإنتاجية، والأهم من ذلك أثرها على علاقة الموظف بفريقه و إدارته. فيما يلي بعض الـ (Reflections) على التجربة.
اولًا: مميزات وإيجابيات التجربة :

  • استخدام الكتابة أو التسجيل الصوتي أو الفيديو (Video) لإيصال المعلومة يعطي المجال لحصر جميع الأفكار بشكل مرتب حيث أن هناك مجال لإعادة طرح الفكرة بشكل آخر أو تنقيحها قبل إرسالها.
  • جودة الأفكار المطروحة تكون عادة أعلى مما يمكن طرحه في نقاش مباشر.
  • أهم ميزة لهذه الطريقة في التواصل من وجهة نظري هي أن المرسل يكتب أفكاره في الوقت المناسب له، و يتلقاها المستقبل في الوقت المناسب كذلك، وأعتقد أن لهذا الأمر تأثيرًا كبيرًا على مخرجات العمل والقرارات. 
  • القدرة على إعادة استخدام المقاطع المكتوبة أو المسجلة، و أيضًا القدرة على توفير الوقت.

ثانيًا: سلبيات التجربة:

  • صعوبة إدارة الأولويات بهذه الطريقة في التواصل، فمثلًا قد لا يشعر الموظف بأهمية وضرورة إنجاز مهمة معينة أرسلها مديره إليه عبر برنامج (Microsoft Teams)، مع العلم أنه يمكن التأكيد على أهمية المهمة بالكتابة أو تكرار المتابعة، إلا أنني لاحظت أن الزملاء بشكل عام أقل حرصًا على أداء المهام التي تكون بالطريقة اللاتزامنية الـ (Asynchronous) مقارنةً بالمهام المباشرة التي تأتي عبر الهاتف أو بعد الاجتماع.
  • التواصل اللاتزامني يفتقد تمامًا إلى العصف الذهني و بناء أفكار سريعة مترابطة من عدة أفراد في جلسة واحدة، وأعتقد أن حل هذه المشكلة سهل، وحلها يكمن في النقطة التالية.
  • عدم اعتياد المجتمع على ثقافة الكتابة المفصلة والقراءة، وهذه الخصلة تحتاج إلى الصبر والاستمرارية مع بعض التدريب. نتكلم هنا عن تعويض نقص أحد المخرجات التعليمية في المدارس وتغيير عادة مجتمعية.
  • أحيانًا أواجه صعوبة  في تذكر أين تكلمت عن موضوع معين، هل كان ياترى عبر برنامج (Microsoft Teams) او (Email) أو (Whatsapp) أو كان مجرد تعليق على مستند ما. فإذا حاولت أن أعود لشيء كتبته سابقًا لا أذكر أين كتبته ومتى.

تجربة 2

تجربتي في استخدام التواصل الكتابي عبر برنامج (Microsoft Teams) كانت جدًا ممتازة، وقد ساهمت بشكل كبير في حل مشكلة التواصل مع فريقي والفرق الأخرى في الشركة. 

سابقًا كان هاتفي الجوال لا يتوقف عن الرنين بسبب الاتصالات المستمرة، وبعد التحوّل إلى التواصل الكتابي عبر برنامج (Microsoft Teams) تم حل مشاكل عديدة منها:

١- سرعة الوصول إلى الأشخاص وتقليل عدد رسائل البريد الإلكتروني والتأخر في الرد عليهم.

٢- الصراحة والشفافية في التواصل حيث يمكنك العودة إلى المحادثة عند الحاجة إليها.

٣- يُعتبر استخدام برنامج الـ (Whatsapp) طريقة غير رسمية في العمل، ولم أكن أُفضل استخدامه من قبل ولكن أغلب الفِرَق يستخدمونه للتواصل اللاتزامني.

٤- ميزة برنامج (Microsoft Teams) عن غيره من طرق التواصل هي الاجتماعات المنظمة فيه ويمكن أن يكون الـ (MOM)- أي محضر الاجتماع- في نفس دعوة الاجتماع بحيث يمكن متابعة الـ (Action Points).

٥- أيضًا يسهّل برنامج (Microsoft Teams) حفظ المستندات والرجوع اليها  في أي وقت، كما يمكن مشاركتها والتعديل عليها من قِبَل الجميع في نفس الوقت.

أشعر أني أُسوّق لبرنامج (Microsoft Teams)، لكن تجربتي معه كانت رائعة جدًا.

أما عن السلبيات، فلا يعتبر جميع الموظفين في الشركة استخدام هذا البرنامج طريقة فعالة للتواصل، فقد لا يكونون متواجدين عليه، ولا أعتقد أن قسمنا يستخدمه بطريقة فعالة جدًا تُسهّل التواصل بيننا وتقلل تصعيد المشاكل. 

من الأمور التي يجب تحسينها في هذه الطريقة في التواصل هي التخلص من حالة التشتت التي تحدث عندما يكون هناك أكثر من قناة (Channel). وبالنسبة للأمور الاجتماعية، فأنا أُفضّل التواصل المباشر حيث نعقد اجتماعات مرة في الشهر مع كل الفِرَق، تتمثل بجلسة وحديث خارج مجال العمل؛ مما يزيد التفاعل ويؤدي إلى بناء علاقات أقوى تنعكس على العمل بشكل إيجابي. تَقلّص هذا النوع من التواصل بسبب الجائحة لكن  أتمنى أن يرجع بإذن الله لأنه فعلًا مهم.

يوجد أمور أخرى في التواصل اللاتزامني قامت بتحسين العمل وكفاءة التواصل مثل استخدام برنامج الـ (Loom)؛ كونه وسيلة فعالة لشرح الأفكار ومناقشة العمل، ويساعد في حفظ الكلام والمحتوى والتقليل من الوقت المهدور في الاجتماعات.

وكان الكثير من أعضاء الفريق ينزعجون من طلبك للمستندات المفصلة (Writeups)؛ لأنها تأخذ وقتًا وجهدًا، ولكنها ممتازة لتلخيص الأفكار وتحليل المشكلة أيضًا، كما أنها مرجع مهم يمكن الإعتماد عليه.

انضم إلى المحادثة

3 تعليقات

  1. بعد العمل مع جهة حكومية لعدد من السنوات وتجربة العمل في أحد الشركات الناشئة (التي كانت ولا زالت تعمل بشكل غير متزامن قبل الجائحة) ، رأيت اسناد كامل للمهام ، تحمل للمسؤولية ، وانتاجية رائعة من قبل اعضاء الفريق

  2. >> هي أن المرسل يكتب أفكاره في الوقت المناسب له، و يتلقاها المستقبل في الوقت المناسب كذلك
    هذا من أهم اﻷهداف التي تدفعني لتفضيل التواصل اللاتزامني، بالإضافة إلى إشراك أكثر من شخص في الرسالة وأنها يمكن كتابتها بعد تفكير، و قراءتها بتفحّص، وكذلك فأنها تتحول إلى وثيقة يمكن الرجوع إليها وقت الحاجة خصوصاً إذا كانت الطريقة هي بريد الكتروني.
    أحياناً نحتاج لمعلومة مضى عليها بضعة سنوات، نجدها موثقة في البريد الالكتروني إذا كنا نحتفظ بأرشيف السنوات السابقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *