مراجعة لكتاب Shape Up

علمت بالصدفة عن كتاب Shape up من Basecamp. الكتاب مجاني من تأليف راين سينجر يتكلم عن كيف شركة Basecamp الرائدة في برنامج إدارة المشاريع تطوّر منتجات إبتداءاً من الفكرة الأساسية إلى التنفيذ. الكتاب مكتوب بصيغة سهلة و تخلو من الحشو الزائد. أشعر أن طريقتهم في تطوير المنتجات مفيدة وتعطي بعد آخر لكيف تطور المنتجات اليوم.

بالطبع حجم شركة Basecamp اليوم يسهّل عليها تطبيق هذه الطريقة في إدارة المنتجات وهي معتمدة أساسياً على طريقتهم في التواصل اللاتزامني لعمل كل شيء وهو مايعطي الأمور بُعد آخر تماماً من ناحية التنفيذ والتخطيط.

الكتاب يتكون من ١٢٤ صفحة. أجده جميل حتى لو لم تكن مهتم في تطوير المنتجات حيث يعرّفك على مفاهيم رائعة مثل، عند تطوير خاصية جديدة أو منتج جديد عوضاً عن السؤال كم تحتاج هذه الخاصية من الوقت للتطوير إلى كم تود أن تقضي وقتاً لتطويرها. أيضاً، عند إقتراح خاصية جديدة في المنتج لابد أن يصل المقترح إلى مرحلة يذكرها الكتاب تدعى Shape up لكي تكون جاهزة للطرح والتصويت عليها ومن ثم تطويرها.

الفكرة الرئيسية في الكتاب هي مفهوم الShape up وهذا المفهوم يتكوّن من ٤ خطوات رئيسية:

  1. ضع حدود (Set boundaries): المقصود هنا أن تضع حد للاستثمار في الفكرة/الخاصية وتعرّف حدود المشكلة. الغرض من هذه الخطوة أن تعطينا حدود بسيطة لكي نلزم بها ولا نتشعّب.
  2. حدد معالم العناصر(Rough out the elements): في هذه المرحلة نطرح الفكرة التي تحدد المعالم الأولية من الحل لتوضيح المقصود وتساعد على حل المشكلة.
  3. حدد المخاطر والرابيت هولز(Address risks and rabbit holes): عندما نفكّر في حل، لابد أن نسلّط الضوء على الأسئلة الغير مجابة التي بإمكانها أن تعطل سير الفريق وتوضيح بعض المخاطر التي لاتريد الفريق أن يقع فيها. (سؤال: ماهي أفضل ترجمة لكلمة rabbit holes ؟ )
  4. فكرة الميزة المُقترحة(Write the pitch): عندما نصل إلى هذه المرحلة يكون المقترح جاهز لعرضه على صنّاع القرار للتصويت مإذا المفترض أن يطورون هذا المنتج أم لا. فكرة الميزة المُقترحة، والحدود، والحل، والتحديات . في حالة تم إختيار فكرة الميزة المُقترحة، يستخدم نفس المستند لبدء المشروع ويكون هو نقطة الانطلاق. ( شكراً يونس لإقتراح ترجمة pitch ل(فكرة الميزة المقترحة )

مرة أخرى، لا أعتقد أنه يمكنك تطبيق هذه الطريقة لو كنت معتمد في منشئتك على التواصل التزامني (synchronous communication ).

دليل مختصر للعمل عن بعد

رسمة الشخصية مستوحاة من رسومات للرسامة Eva-Lotta

لست هنا لكي أقنعك بالعمل عن بعد، ولكن ربما ظروف فيروس كورونا تتطلب منا تجربة هذا النمط. هنا بعض التلميحات التي ربما تساعدك في أداء عملك. التلميحات تنقسم إلى جزئين، جزء إلى المدراء والآخر إلى الموظفين وسبب تقسيمي هو كون أحدهما يطلب عمل من الآخر و الآخر يحتاج أن يقوم بهذا العمل:

المدراء/مدراء المشاريع/التنفيذين الخ.

الغرض من هذه النصائح السريعة هي ضمان أن العمل يسير على أكمل وجه، وتختلف الوظائف بطبيعتها، ولكن هذه بعض التلميحات قد تجعل التجربة سلسة:

  • الثقة: تعزيز الثقة في الموظفين مهم في هذه الحالات، حيث تثق أن الأشخاص سوف يكملون عملهم على أكمل وجه ولاتنشغل في التفاصيل عن ماذا يفعل موظفينك أثناء اليوم أو إفتراض الأسوء عند الإتصال بهم وعدم الرد. قد يكون التحوّل بين يوم وليلة أمر غير سهل ولكن عليك أن تثق وتتوكل على الله.
  • طريقة التواصل: أحياناً في بيئة المكاتب، العشوائية تكون حاضرة بحيث يمكنك مقاطعة من تريد لتحصل على ماتريد. لحسن الحظ أو لسوءه، لايمكنك عمل ذلك في العمل عن بعد، لذلك قدر الإمكان عليك أن تخطط لماتريد أن تعمله خلال اليوم والأفضل خلال الإسبوع وإرسال هذا المتطلبات في أقرب وقت لكي يتمكن الجميع من خدمتك.
  • تعزيز التواصل بالطرق اللاتزامنية: المقصود بالطرق اللاتزامنية هي الطرق التي تتواصل ولا يأتيك جواب في نفس الوقت. هذه الوسيلة معتمدة على التواصل الكتابي بشكل رئيسي و تأتي هنا أهمية الكتابة ووضوحها خاصة في سياق العمل. في بعض البيئات تكون ثقافة التواصل مبنية على أساس أن تبحث عن الشخص ومن ثم تكلّفه بالمهمة أو تسأله عن التحديث، طبعا لطبيعة تواجدكم في أماكن مختلفة تحتاج أن تستخدم وسائل مثل البريد الإلكتروني، و برنامج المحادثة Slack، Microsoft Teams وربما Whatsapp – مع أني لاأحبذ إستخدامه في تواصل العمل.
  • إستخدم التواصل التزامني عند الحاجة: هذه الطريقة من التواصل هذه تسمح لك في حصولك على الرد بشكل فوري وتتم عادة عبر الجوال أو برامج المحادثة مثل Zoom. لكي ينجح هذا النمط، عليك أن تجعل هذا التواصل للحاجة فقط وجعلها للأمور المهمة التي لايمكن نقلها عبر البريد الإلكتروني/رسائل المحادثة. أظن الإنتاجية في أقل مستوياتها عندما يكون هذا هو التواصل الإفتراضي للمنشئة.

الموظفين:

أعلم أن هذا يعتبر تغيير كبير على روتينك وربما لاتفضل أن تعمل بهذه الطريقة ولكن هذه بعض التلميحات التي سوف تساعدك علي إنجاز عملك على أكمل وجه بإذن الله:

المسؤولية: إخلق روتين للعمل. لاتغيّر ساعات عملك كونك لايتوفر لديك مكان عمل تذهب إليه. عليك أن تكون قدر المسؤلية في محاولة القيام بالمهام المطلوبة منك.

تخطيط اليوم: لكي يمكنك إنجاز المهام بسلاسة، خطط يومك وإكتب ماتريد أن تنجزه اليوم. أحياناً تتوفر لديك مهام لاتحتاج لشخص آخر لإتمامها، وأحياناً تكون مهام تتطلب تواصل مع أشخاص آخرين. ربما تقسّم اليوم بحيث تبدأ بكتابة بعض رسائل البريد الإلكتروني لزملائك في العمل أو العملاء ومن ثم تشرع في مهماتك وتخصص وقت في نهاية اليوم للإجتماعات/ الإتصالات أو للرد على الرسائل التي وصلتك. الجدول المثالي يأتي عادةً بعد عدة محاولات، فتحلّى بالصبر في مثل هذه الحالات.

المكان: كون الوضع حالي يحتم عليك تواجدك في المنزل، عليك تخصيص مكان مؤقت وإعلام أفراد الأسرة أن هذا هو مكان عملك، بحيث لايظنون أنك في نقاهة ? – في الحالات العادية ربما أنصحك في الذهاب إلى مساحة عمل مشتركة أو مقهى هادئ ولكن أعتقد أن الوضع الحالي لايسمح بهذا الأمر.

أخيراً، مهما كانت تجربتك أتمنى أن لاتبني عليها إنطباع أن العمل عن بعد نمط غير صالح. العمل عن بعد هو ثقافة أكثر من نمط. لكي ينجح يحتاج ثقافة معين ونوعية أعمال معينة. كل التوفيق للجميع وحمانا الله وإياكم من شر الأوبئة.

مصادر مفيدة:

لو عدت إلى مقاعد الدراسة؟ تجارب ودروس عن العمل والحياة الجامعية

أقدّم هذه التدوينة على شكل محاضرة للجامعات، للمهتمين الرجاء التواصل على البريد وسوف أفعل مابوسعي لتلبية هذا الطلب.

قبل فترة حدث بيني وبين جامعة القصيم تواصل، مع إدارة كلية الحاسب. الكلية التي تخرجت منها، وذلك حول الحضور ومشاركة تجربتي بعد التخرج مع الطلاب، فرحّبت بالفكرة وجلست أفكّر في موضوع يضيف قيمة لكافة الطلاب من جميع المستويات و سألت بعض الأصدقاء الذين مروا معي بنفس التجربة وفي النهاية خرجت بثلاث محاور: (القائمة غير مترابطة عن قصد ? )

  • أمور سوف أفعلها بشكل مختلف أثناء الدراسة.
  • تلميحات قبل نهاية الرحلة الجامعية والتخرج.
  • أفكار حول نمط العمل والفرص الموجودة.

طلبي الوحيد هنا أن تقرأ التدوينة بنظرة الفاحص الناقد وتتذكر أن هذا رأي شخصي وربما يتغيّر. التدوينة كتبت لطلاب الحاسب ولكن يمكن تطبيقها على أي من التخصصات المختلفة.

أمور سوف أفعلها بشكل مختلف أثناء الدراسة:

هذه بعض الأمور التي تعلمتها بعد تخرجي من الدراسة و تمنيت أنني عرفت هذه الأمور خلال دراستي لما أدركت أن هذه الأمور سوف تجعل تجربتي مميزة :

تفعيل سؤال “لماذا؟”

في المنهج الدراسي توجد الكثير من المواد التي غالبا وضعت لسبب وجيه لكن أحياناً السبب لاينتقل بشكل جيد خلال عملية التدريس. أؤمن أنه يوجد سبب. لماذا تحتاج أن تدرس رياضيات أو فيزياء مع أن تخصصك حاسب، هل السبب واضح؟ أعتقد لا. هل وجه الربط سهل؟ لا، هل الإجابة على هذا الموضوع سهلة؟ أعتقد تحتاج وقت.

لماذا نحتاج أن نعرف السبب؟

الدراسة صعبة وتتطلب الكثير من الجهد ولكي توجد تبرير لهذا الجهد الذي سوف تبذله، تحتاج أن تعرف السبب الذي بعون الله سوف يساعدك أن تحاول بشكل أكبر. أعرف أن التنظير سهل ولكن أعتقد أن السبب هنا سوف يغير وجهة نظرك للموضوع وأنا شبه متأكد أن الإجابة سوف تحتاج لبحث جاد ولن تكون جاهزة، خصوصًا الإجابة التي سوف تقنعك لبذل المزيد من الجهد.

أن تتعلّم كيف تتعلّم

أمامك رحلة طويلة من التعلّم في هذه الجامعة. سوف تتعلّم مختلف العلوم التي تحتاج إلى طرق مختلفة لكي تتعلمها. أعتقد أن تطبيق طريقة واحدة للتعلم ليست أفضل استراتيجية. يوجد أشخاص قضوا معظم أعمارهم لدراسة أفضل الطرق للتعلّم وبسّطوا أهم المعلومات في كتب سهلة وممتعة مثل كتاب (Learning How To Learn) التي تحتوي على تلميحات ذهنية، و -جسدية- ، وحياتية لتعلّم مختلف العلوم. ، فأشعر أن هذا إستثمار طويل المدى ويستحق الجهد.

تعلّم كيف تسجّل الملاحظات

في بداية مشوار الدراسة الجامعية، كنت أحاول تسجيل الملاحظات مع الدكتور والانتباه إلى الشرح في نفس الوقت، ولكن لم أستطيع التوفيق بين الكتابة والفهم في الوقت نفسه فاتبعت استراتيجيات التصوير اللحظي!

فعندما تنتهي المحاضرة، أذهب إلى أفضل طالب في القاعة وأصوّر الملاحظات باستخدام الهاتف المحمول. الآن وعند التفكير فيما كنت أفعل، أعتقد أني كنت أرتكب خطأ جسيمًا لأن عملية تدوين الملاحظات هي جزء مهم من عملية التعلّم. الموضوع هنا ليس تدوينك للملاحظات بل كيف يمكنك تدوينها بطريقة تجعل عقلك يستوعب ويتذكر المعلومة. أحد الأمور التي تمنيت لو كنت أعرف عنها هي التدوين البصري والتي تعتبر طريقة من طرق التدوين تساعد العقل على التذكّر والفهم، فلماذا لانستثمر في مهارة سوف نحتاجها طيلة حياتنا؟

هذا الموضوع غير مهم في سوق العمل

في مرحلة الجامعة سوف تمر بمختلف الأمور التي قد تراودك نفسك في تقليل الاهتمام بها لعدم أهميتها الحالية في سوق العمل. التفكير هذا استراتيجي من ناحية ومن ناحية أخرى ربما يكون فيه قُصر نظر. أشعر أني اقترفت هذا الخطأ أكثر من مرة خلال دراستي والمفترض أني كنت أكثر حذرًا في التقليل من أهمية بعض المواد. أنت سوف تدرس هذه المادة رغبت أم أبيت، لذا دعنا نترك موضوع هل هذا مهم ام لا لوقت آخر ونبحث عن السبب الحقيقي خلف تصميم هذه المادة بهذا الشكل.

التفكير الاستراتيجي

هذه نقطة من المحتمل أن تفنّد النقطة التي قبلها. كإنسان، تتوفر لديك موارد محدودة بطبيعة الحال. لديك مشاغل غير الدراسة و اهتمامات أخرى. عندما تنوي أن تبذل جهد ١٠٠٪ في كل أمورك في الحياة، غالبًا سوف تفشل لإنك إنسان أو يمكن تنجح ولكن على حساب أمر آخر، سواء كانت العواقب على حياتك الاجتماعية، أو على حياتك الدراسية فكيف تفكّر بشكل استراتيجي وتختار الأمور التي سوف تبذل فيها أقصى جهد (A Efforts) والأمور التي سوف تبذل فيها الحد الكافي (C Efforts). ربما تسأل لماذا لا أطمح ل A efforts على كل الأصعدة ؟ – أعتقد مستحيل- لأنه أمر غير مستدام. فالذي أدعو إليه هنا أن تفكّر في بداية كل ترم في الأمور التي سوف تبذل فيها الحد الكافي، والأمور التي سوف تبذل فيها جهد مضاعفًا، مثال على ذلك، لو قررت بذل الحد الكافي في التحصيل الدراسي في آخر سنة والتركيز بجهود مضاعفة على مشروع التخرج أو مشروع جانبي تتوقع أنه سوف يفتح لك أبوابًا كثيرة. الفكرة الرئيسية، طوّر استراتيجية، ورتب جهودك عليها.

الإستثمار في المهارات الناعمة

المهارات الناعمة يقلل أحيانًا من أهميتها، أو يعظّم من أهميتها بحيث تكون هي الأساس والخبرة العملية/العلمية هي الأمر الجانبي. اللذي أدعو إليه هنا أن تهتم بها بشكل جدي وتضع خطة لكيفية تحسينها. هنا أتكلّم على وجه الخصوص عن مهارات التواصل الكتابية واللفظية. هذه المهارات هي الأدوات التي تسمح لك بطرق أبواب العالم وتساعدك على توصيل أفكارك و اقتراحاتك بشكل واضح. لكي تكون عقلانيًا، هذه مهارات الاستثمار فيها يحصل مدى الحياة. لذلك اعرف أين أنت اليوم، مالذي يلزمك لكي تتحسّن واعمل على تحسينه. أين أنت اليوم يشكّل أولوية لكمية الجهد الذي تحتاج أن تبذله. أرجوك اهتم بهذا الموضوع، العالم يحتاج أن يعرف عن عبقريتك (?)

قبل التخرج بسنة/سنتين

هذه بعض الأمور التي سوف أركز عليها آخر سنة أو سنتين، يعتمد على الوقت الذي يتوفر لديك أو بعد التخرج إذا توفّر معك وقت.

تجارب واستكشاف

قبل التخرج بسنة، سنتين جميل أنك تبدأ في الاستكشاف. تخصص الحاسب متشعّب، وبغض النظر عمّا درسته ربما لديك اهتمام بجانب معين وربما عدم اهتمام بالموضوع كلّه، فلكي تكتشف الاهتمام من عدمه يجب عليك التجربة. فهنا يبدأ موضوع المشاريع الجانبية، بداية بالالتحاق ببعض الكورسات العملية (مثال النانوديقري من Udacity) التي سوف تساعدك على اكتشاف تفضيلاتك. لاتوجد هنا خارطة واضحة ولكن أدعو إلى الدخول في أكثر عدد من التجارب لكي تكتشف ماذا تفضّل. لاأعتقد التخصص هنا مهم، هذه فترة التجارب، ربما اليوم تجرّب تحليل البيانات وغدًا الواقع التخيلي. الأهم هنا أني لا أطلب منك التنقل بدون الإتقان ولكن محاولة إيجاد مشاريع تعلّمك وتكسبك خبرة بإمكانك نقلها أو التعلّم منها.

البدء ببناء معرض أعمالك

مع خوضك لهذه التجارب المختلفة لاتنسى أن تبني معرض أعمالك بحيث تكون مكان لجمع محاولاتك المختلفة وتظهر للأشخاص الراغبين في العمل معك خبرتك. مثال على ذلك رفع هذه المشاريع على Github أو بديله وتوثيق هذه التجارب بشكل بسيط وجميل وهنا تأتي أهمية الكتابة، لأنك تريد أن تظهر المشاريع بشكل جميل وواضح.

بناء العلاقات

لنفترض هنا أنك وجدت ضالتك وقررت أن تتخصص في مجال معيّن حينها يمكننا القول أنه حان الوقت المناسب للتواصل مع الأشخاص الذين يعملون في هذا المجال بحيث ربما تتدرب معهم، تعمل معهم… إلخ. و توجد عدة طرق للوصول إلى النوعية من الأشخاص منها حضور المؤتمرات التي ربما تجد فيها هؤلاء الأشخاص أو الرد على تغريدة أحدهم مع ذكر اهتمامك وربما رابط لمعرض أعمالك.

أفكار حول فرص وأنماط العمل

الوظائف التي يمكن لمتخصص الحاسب أن يلتحق بها

هنا أود أن أتحدّث عن نوعية الوظائف التي يمكن لخريّج تخصص الحاسب أن يلتحق بها وأود التذكير أن هذه القائمة ليست شمولية:

  • وظائف حاسب.
  • وظائف تتقاطع مع الحاسب.
  • وظائف استشارية.
  • غير ذلك.

دعنا نأخذ كل نوع على حدة:

وظائف حاسب

نوعية هذه الوظائف تكون أحد تفرعات الحاسب مثل البرمجة بأنواعها( Frontend, Backend, Fullstack)،أو إدارة البنية التحتية (شبكات، إدارة أنظمة)، أو تحليل الأعمال … إلخ. الفكرة هنا سوف تكون أحد تفرعات أمور درستها وربما تحتاج شهادة بكالوريوس في إحدى تخصصات الحوسبة لكي تنال هذه الوظيفة.

وظائف تتقاطع مع بالحاسب

كما تعرفون الشركات التقنية تحتاج إلى أنواع مختلفة الأشخاص لبناء ونمو الشركات بشكل فعّال فلذلك يوجد وظائف تحتاج خلفية تقنية مثل التسويق والمبيعات …. إلخ. هذه الوظائف مهمة، فلذلك عندما يقول لي أحد لا أريد أن أصبح مبرمجًا، أقول حسنًا، ولكن تعرّف وجرّب لأنك قد تكون غدًا في وظيفة تحتاج فقط للإلمام بالشيء ودمجه بشكل قوي مع موضوع آخر الذي هو ربما أقرب إلى اهتماماتك لتصبح قوة خارقة. أشعر أن هذه الوظائف جيدة بعد عدة سنوات من العمل في الحوسبة بشكل كامل وليس مباشرة بعد التخرج. آخر ثلاثة وظائف لي كانت من هذا النوع من الوظائف بحيث أعتمد على خبرتي التقنية لتخدمني لتحقيق أمر آخر.

وظائف استشارية

هذه نوعية من الوظائف التي تتطلب مهارة حل المشكلات وهو المفترض إنك تعلّمته خلال الدراسة الجامعية. مثال ذلك العمل في الاستشارات الادارية والتي تعتمد على خبرتك كمهندس في مهارات حل المشكلات.

غير ذلك

المقصود هنا أن تعمل في مجال ليس له علاقة بالحاسب، وهذا احتمال متوفر. كل ماتعلّمته في الجامعة لن يذهب هَبَاءً مَّنثُورًا وسوف تجد طريقة لتطبيقه في أي أمر نويت التخصص فيه.هنا أشجّع على عدم التفكير بالنمو الطولي حيث أن تخصصك بالحاسب لا يفرض عليك العمل في الحاسب والكثير من الوظائف والأعمال تستقبل جميع التخصصات.

نوعية الجهات المتوفرة

من نظرتي إلى السوق السعودي في عام ٢٠٢٠، أجد التصنيف التالي:

  • حكومة: جهات حكومية وتخدم الحكومة بشكل كامل مثل وزارة الاتصالات،و الجامعات … إلخ.
  • شبه حكومية: جهات تخدم الحكومة ولكنها تعتبر من القطاع الخاص مثل: “ثقة”، و “علم”.
  • قطاع خاص: يتكون من مؤسسات وشركات خاصة لا تملكها الحكومة.
  • شركات ناشئة: شركات مدعومة من صناديق الاستثمار الجريئة مثل: مرسول، نون أكاديمي، نعناع.
  • عمل خاص: في أي مجال مثل قطاع التغذية … إلخ.
  • شركات عالمية: شركات أجنبية تتوفر لديها فروع في السعودية والتي غالبًا تخدم عملية البيع مثل مايكروسوفت، وأوراكل.
  • شركات عن بعد: شركات من مختلف أنحاء العالم، بإمكانك العمل معهم وأنت متواجد في السعودية.
  • عمل حر: تعمل بصفتك حر، بحيث تأخذ عقودًا معينة مع أفراد، شركات … إلخ.

كل نمط من أنماط هذه العمل لها سلبياتها وإيجابياتها، وربما في مختلف مراحل حياتك تتنقل بينها. لن أنصح بنمط عمل معين مع أن من يعرفني يتوقع أني سوف أنصح بالعمل عن بعد، ولكن حقيقة يعتمد شكل وأهدافك في الحياة.

اعتبارات عند اختيار فرص العمل

الفرصة أولًا ثم المكان

من الأمور التي تثير غضبي عندما تأتي فرصة رائعة وخاصة للأشخاص الذي يقطنون في أماكن طرفية هو بحثهم عن فرصة محلّية في بداية حياتهم حيث إن العائلة يضغطون بدون قصد رغبةً منهم في تواجد أبنائهم بقربهم وكما هو معروف في مختلف أنحاء العالم أن الفرص تتمركز في العواصم. فنصيحتي هنا في بداية حياتك فكّر في الفرصة أولًا ومن ثم فكّر في الأمور الأخرى. خاصة للأشخاص الذين يستطيعون الابتعاد عن أهلهم، وبِرّهم بطريقة أخرى.

من الأمور المهمة عند التفكير في الفرصة هو محاولة الإجابة على الأسئلة التالية:

  • ماهي المهارات التي سوف تكتسبها من عملك في هذا المكان؟ انظر هنا للمهارات الشخصية والعملية، ربما أنصح في اكتساب المهارات العملية في بداية الحياة المهنية ومن ثم التركيز على المهارات الشخصية.
  • من هم الأشخاص الذين سوف تعمل معهم في هذا المكان؟ هل هم A players ؟ هل أنت أغبى شخص في الغرفة؟ وهذا معيار جيّد لمعرفة مدى ما سوف تتعلم من زملائك.
  • ماهي نوعية العلاقات التي سوف تكتسبها؟ الفرص الوظيفية في الحياة تعتمد بشكل كبير على العلاقات، فضع اعتبارًا لنوعية العلاقات التي سوف تكتسبها وهل هي سوف تساعدك على الوصول للمكان الذي تطمح إليه؟
  • بيئة العمل هي من أهم الأمور في الحياة المهنية وعليك أن تضع اعتبارًا عاليًا لها. في اختلاف مراحل حياتك ربما تتحمّل بيئات عمل معينة وربما تنتقل من بيئة إلى أخرى، لكن بعض البيئات تفسد أكثر من تصلح وضررها كبير، فعليك السؤال عن بيئة العمل بشكل دقيق (علاقة المدراء، العلاقة بين زملاء العمل … إلخ.)
  • نمط العمل، هل هذه وظيفة بساعات محددة عليك أن تلتزم بهم؟ أم هي وظيفة بساعات مرنة؟ أم هي عن بعد؟ أم تتطلب سفر؟ في كل فترة في حياتك ربما تناسبك مرحلة ولكن ربما لا تناسب في مرحلة أخرى.

أمور ضع تحتها خطين عند اختيار فرصة العمل:

  • الفلوس: هل يوجد شخص لا يحب الفلوس؟ ? انتقالك من مكافأة الجامعة إلى مرتّب يزيد في عدد الخانات هو أمر مغري جداً ولكن في بداية حياتك الوظيفية أن تتخذ قرارًا مدفوعًا بكمية الفلوس هو أمر غير جيّد وربما سوف يأتيك ضغط من الأقارب لرفضك فرص من شركات كبيرة وأسماء معروفة لكن أطلب منك هنا التفكير خلال سنتين، ثلاث سنوات. ما هو المكان الذي سوف أغادر إليه بعد هذا؟ هل خبرتي سوف تجني لي ثلاث أضعاف الراتب أم زيادة ١٠٪ ؟ وهذا يعتمد على ماذا تعلّمت خلال أول عدة سنوات في عملك الوظيفي.
  • العلامة: هل هي علامة جيدّة؟ على سبيل المثال، جيل آبائنا يضعون قيمة للشركات الوطنية مثل أرامكو، STC … إلخ. لكن فعليًا هذه الشركات هي دول بحد ذاتها، والعمل من قسم إلى قسم يختلف تمامًا وربما يكون محصور جدًا لشخص في بداية عمره، فالمقصد هنا، اعرف قيمة العلامة التي أنت ذاهب إليها وهل هي سوف تساعدك في الوصول إلى هدفك؟

مثل ماذكرت في اول التدوينة، هذه عدة ملاحظات شعرت أنها ربما تكون مفيدة للأشخاص الذين على وشك التخرّج أو في بداية حياتهم الجامعية. شاركني مقترحاتك وأسئلتك في قسم التعليقات ?

شكرًا لمحمد السحيباني، امل الخميس لمراجعتهم نسخ اولية من هذه التدوينة.

حدّثني عن جدارك الناري


مصطلح الجدار الناري شائع في عالم الشبكات وأنظمة التشغيل حيث يسمح لك بوضع عدد من القواعد، وبناء على تلك القواعد، يحدد الجدار الناري مايمكِنكَ الوصول إليه ومايمكِنُه الوصول إليك. طبعاً عدم وجود جدار ناري يجعل النظام عرضة للإختراقات، و إستهلاك الموارد الخ …

السؤال، هل يمكننا تطبيق مفهوم الجدار الناري على حياتنا الشخصية؟ حيث نبدأ بتعريف القواعد التي نريد العيش بها، و قيمنا في هذه الحياة، و أهدافنا، والأمور التي نريد أن نعمل بها، والعلاقات التي تحقق أهدافنا في هذه الحياة وبناء على ذلك التعريف، أي أمر لايطابق هذه القواعد التي وضعناها، ببساطة لاينفذ من خلال الجدار الناري.

علاقة إجتماعية لاتناسب ماعرّفته؟ لاداعي لها، فرصة عمل لاتحقق ماتصبو إليه؟ لا تشغل نفسك بها.

لاأعتقد أن تطبيق الجدار الناري مفهوم يسهل تنفيذه ولكن أعتقد أن تطبيق مثل هذا المفهوم يساعد في التركيز.

أثمن نصيحة تلقيتها في العمل

قضيت أول عدة سنوات في حياتي الوظيفية في أدوار تقنية. بالنسبة لشخص لغته الإنجليزية ليست الأم كنت أشعر أن لغتي الإنجليزية تحدثاً وكتابة لابأس بها حتى كانت تتاح لي فرص للكتابة في المدونة الرئيسية للشركة وكتابة نشرة تعريفة للمنتجات التي توزّع في أنحاء العالم.

قبل ثلاث سنوات إنضممت إلى شركة غالبية موظفينها يأتون من مجالات مختلفة فيوجد أناس تخصصهم إقتصاد، بيولوجيا الخ.

فكان عملي يتطلب منيّ الكتابة بشكل مستمر و بناء عروض تقديمية لعرضها على الشركاء (Business case) إلى أن أتى يوم المراجعة النصف سنوي وأحد الأمور التي كتبها مديري كملاحظة للتطوير المهني هي أن أطوّر من أسلوب الكتابة. لا أخفيكم، شعوري وقتها كان:

في البداية لم أستوعب المشكلة، لم أفهم مالذي أحتاج أن أحسّنه، إلى درجة أني عُدت لقراءة كتب في تعلّم أساسيات الكلمات! (مفيد الكتاب، لكن الكلمات لم تكن المشكلة ?)

بعد تخبّط وتشتت إكتشتفت المشكلة الحقيقية. كان عندي لبس كبير بين الكتابة الإبداعية creative writing والكتابة في العمل business writing ، كل واحدة منهم تتطلب عملية إبداعية مختلفة عن الآخرى.

هنا بدأت في الإطلاع على عدد من المصادر،بدأت في الكتاب المشهور في عالم الإستشارات الإدارية The Pyramid Principle: Logic in Writing and Thinking – وهو كتاب قيّم يأخذك في جولة لكيف تكتب بطريقة منظمة ومقنعة.

الكتاب الآخر الذي أعتقد أنه دليل ممتاز هو HBR Guide to Better Business Writing – بحيث يأخذك خطوة بخطوة إلى عالم الكتابة في العمل.

أرى أن الكتابة هي قوة مضاعفة (force multiplier) بحيث تخلق إنطباع جيّد وتجعل الأفكار الرائعة أروع و أعتقد أن الكتابة (الأبداعية وغيرها) من المهارات التي تستحق الإستثمار والتحسين المستمر.

أنوي عمل ورشات قصيرة بأسعار رمزية لشرح تجربتي مع الكتابة وإعطاء إرشادات ساعدتني في رحلتي مع عدة تمارين وإرشادات لتحقيق الهدف. إذا كنت مهتم الرجاء التسجيل عبر هذا الرابط.

التنافي والشمولية ( MECE Principle )

في أحد الشركات اللي عملت فيها كان رئيسي يعمل سابقاً في أحد أكبر الشركات الأستشارية. يوم من الأيام بدأت أنا ومديري نعمل على حالة عمل (Business case) بغرض عرضها على أحد الشركاء فقمت بقيادة المهمة وفي الإجتماع الأسبوعي قمت بعرض أول مسودة للعرض التقديمي.

إلى الآن أذكر تعابير مديري عندما رأى العرض، كانت صدمة له على عدة مراحل من ناحية هيكلة العرض . على أي حال لا أطيل عليكم لكن الذي تعلمته أنه يوجد إطار مهم جداً اسمه (MECE Principle) مفيد عن حل المشكلات في بداية المشروع و يمكن إستخدامه في أمور أخرى.

ماهو MECE؟

Mutually Exclusive Collectively Exhaustive

دعني أبدأ بالترجمة التي وجدتها في ويكيبيديا ومن ثم أبني عليها:

“يطلق مبدأ التنافي والشمولية (بالإنجليزية: MECE principle) عندما تكون هناك أحداث متنافية الوقوع Mutually exclusive events (لا يمكن أن تحدث في الوقت نفسه) وأحداث شاملة الوقوع Collectively exhaustive events (مجموع الأحداث يعطي جميع الاحتمالات الممكنة). مبدأ التنافي والشمولية مفيد في التخطيط الإقتصادي حيث الترتيب الأمثل للمعلومات هو شامل و غير مزدوج بأي مستوى من التسلسل الهرمي”

دعنا نقسم الإطار إلى قسمين، القسم الأول:

Mutually exclusive

لشرح هذا الجزء دعنا نأخذ مثال، إفترض أننا أردنا أن نجيب على السؤال التالي:

” لمن سوف نحظر له هدية يوم العيد؟”

عند التفكير خرجنا بهذه القائمة:

  • زملاء العمل
  • الأصدقاء
  • العائلة
” لمن سوف نحظر له هدية يوم العيد؟”

هذي القائمة لاتعتبر (Mutually exclusive) لأن الأصدقاء يمكن أن يكونون زملاء عمل في نفس الوقت. فيوجد إزدواج في القائمة وهم ليس على نفس المستوى.

نلاحظ تكرّر “جعفر صديق” في الأصدقاء وفي زملاء العمل وهذا دليل أنه لدينا خطأ في القائمة

والآن ننتقل إلى القسم الثاني من الإطار:

Collectively exhaustive

الجزء الثاني يعني عند حل المشكلة يجب أن نفكّر في جميع الخيارات. إكمالاً على السؤال الأول ، هل وضعت جميع الخيارات؟ الجواب، لا لأنه بإمكاني أضيف خيار آخر وهو الجمعيات الخيرية. فالتركيز في هذا القسم أن تضع كل الخيارات لتتأكد أنك لم تترك شيء من الخيارات المتاحة وهذا مفيد عند حل المشكلة في بداية المشروع خاصة في الإستشارات الإدارية عندما تحتاج توزيع مسارات العمل (Work streams) على فرق مختلفة.

الإطار عموماً مهم وتستطيع إستخدامه في الكتابة. شخصياً أجد الإطار فيه تحدي ويحتاج تمرين لكي تتقنه.

روابط مفيدة:

مراجعة كتاب مَشَيْناها

مصدر الصورة

في بداية السنة سمعت بوفاة عبدالرحمن الصالح الشبيلي. حقيقةً لا أعرف من هو، ولكن سمعت أنه كتب سيرة ذاتية قبل وفاته رحمة الله عليه، فحرصت على إقتنائها أول ماسمحت الفرصة.

بحكم ولادتي وعيشي في عنيزة لمدة ٢٠ سنة تهيأت لي فرصة الإختلاط مع أحد أفراد أسرة الشبيلي و لاأذكر منهم الإ كل خير. حتى أني درست الثانوية في مدرسة السفير محمد الحمد الشبيلي ولم أعرف الإ اليوم أنها سميّت على السفير.

إستمتعت جداً بالكتاب، في البداية يتكلم الكاتب عن حياته وولادته في عنيزة. طبعاً يتكلم عن عنيزة التي لا أعرفها ولكن يساعدك في فهم أماكن وأعلام مشهورين كمثال، لم أعرف أن الأتراك كانوا في عنيزة عام ١٨٨٢م وبنوا الصّنقر (المعلم الذي على غلاف الكتاب) وبني مكانها اليوم مركز صالح إبن صالح الثقافي .

ومن ثم يتكلّم عن حياته في الإعلام وهنا خرجت بقائمة أشخاص لم أسمع بهم ويقتلني الفضول للبحث عنهم ورؤية أعمالهم وهذا موضوع مهم لي كشخص مهتم بالمحتوى.

ومن ثم يتكلم الكاتب عن مسيرته الوظيفية وهنا يشارك عدة دروس مبطنة تساعدني كشخص في معترك الحياة على إتخاذ القرارت في المسارات الوظيفية المختلفة لأنه حسب رأي القاصر أن التاريخ يعيد نفسه وفهم مسارات من سبقنا يساعد في إتخاذ القرارت والتعلّم منهم. على سبيل المثال، تحدث عن الوظيفة وكيف أن حجمها يمكن أن يجعلك تأخذ “مقلب” في نفسك وتنشغل عن أمور لها أهمية مثل: تربية الأطفال، الحرية المالية الخ.

أيضاً، أجد الكاتب مثير للإهتمام لأنه قضى وقت طويل يكتب في مجالات عدة وهذا ينعكس على كيفية كتابته لسيرته الذاتية بشكل ممتع و مترابط وقصصي بل يذهب إلى أبعد من ذلك ويشارك عمليته الإبداعية عند الكتابة.

وأيضاً، تكلّم الكاتب عن إهتمامه بالتأليف في السنوات الأخيرة وكيف أن المردود الثقافي بالنسبة له هو أعلى من أي مردود مالي. رأي يستحق التفكير!

ثم بعد كل هذه النجاحات في حياة الكاتب ينقل لك الوجه الآخر من معاناة الحياة والصبر على أقدارها وهذا واضح في ذكره للأحداث المؤلمة التي حلّت بالأسرة وكيف يصبر عليها المؤمن ويجعلك تفكّر مرة أخرى في قيمة هذه الحياة.

في النهاية رحم الله عبدالرحمن الصالح الشبيلي. مذكراته هذه جعلتني كأني أعرفه. أعطتني دروس متأكد أني سوف أستفيد منها وذكرت لنا أسماء أشخاص كان لهم الفضل في الكثير من الأشياء التي نستمتع فيها اليوم وهنا يكمن جمال السير والتراجم، تساعدك على فهم الحياة.

أنصح الجميع بإقتناء هذا الكتاب.

حكم عن الحياة من دافيد هاينماير هانسون

بالأمس كنت أستمع إلى مقابلة بين دافيد هاينماير هانسون الملقّب بDHH وتيم فيرس. يعرف دافيد بإنتاجه لإطار الويب الشهير روبي أون ريلز وسائق سيارات سباق محترف.

هذي ليست أول مرة أستمع إلى هذا اللقاء، ربما هي المرة الثالثة أو الرابعة والسبب أن هذه المقابلة فيها كمية من الفلسفة عن الحياة والعمل التي أجدها متوازنة وأؤمن بها. هذه عدة ملاحظات دونتها من الحلقة و لكن أنصح الجميع بالإستماع للمقابلة كاملة:

  • كيف يتعلّم دافيد: دافيد مبرمج محترف وكاتب وسائق سيارات سباق محترف (مثير للإهتمام كيف إنقضت تسع سنوات من عدم إمتلاكه رخصة قيادة إلى وقوفه على منصة التتويج في السباق الفرنسي لو مان ديفيد. يتكلّم دافيد عن كيفية إتباعه نفس طريق التعليم سواء في البرمجة أو الكتابة أو سباق السيارات.في البرمجة عند المحاولة الأولى يحاول جعل البرنامج يعمل، ومن ثم يحاول تحسين هذا البرنامج و في السباق في البداية يحاول تشغيل السيارة وإستخدام المكابح بشكل صحيح ومن ثم يحاول يحسّن أجزاء معينة في كل جولة لتحقيق أسرع جولة . أتعلّم من هنا كيف الإنتباه إلى كيف تتعلّم والتركيز على الأجزاء الصغيرة في المهارات التي تحاول أن تتعلمها (تدوينة ذات صلة: التدريب الضروري)
  • عن رفض أموال المستثمرين: يحكي دافيد كيف أن رفضهم لرؤوس الأموال الجريئة ساعدهم في التحكم في مصير الشركة ونموها بالطريقة المناسبة لحياتهم اليومية بدون أي ضغوط خارجية.
  • يمكنك إنجاز الكثير في ثمان ساعات: يتطرق هنا إلى كم من الأمور يمكنك إنجازها خلال ٨ ساعات خاصة إذا لم تكن متقطعة ويذكر كيف في نهاية كل سنة يتفاجئ من كمية إنجازهم إلى إنجازاتنا ونشعر أنه عملنا الكثير ويعزى ذلك إلى امتلاكهم الوقت الغير متقطع وتقليل الإجتماعات.
  • السعادة تأتي مع ضبط التوقعات: هنا يذكر دافيد كيف في السنة الأولى من سباق لو مان كان سعيد فقط بالمشاركة وإنهاء السباق بينما في السنة التي بعدها فاز فريقه في المركز الثاني وكان أتعس لحظات حياته. فيذكر هنا كيف أن سبب تعاسته في الحقيقة هي توقعاته وكيف نضبط توقعاتنا.
  • الفرق هامشي بين مليونين و عشرات الملايين: يتكلّم دافيد كيف أن الفرق بين إمتلاك مليونين أو عشرات الملايين هو هامشي بالنسبة له على الأقل. طبعاً هذا الكلام غير منطقي إذا كنت تنوي إمتلاك فريق الكرة New York Jets مثل قاري في أو ترسل الناس إلى المريخ مثل إيلون مسك ولكن ديفيد كما يتكلّم عن نفسه يمتلك أحلام “متواضعة” ويريد أن يصمم نمط حياة تحقق هذه الأحلام المتواضعة وتساعد ديفيد في تصميم الأهداف.على سبيل المثال في البرمجة يريد أن يكون جيّد لكن لايتطلع إلى أن يكون الأفضل و في سباقات السيارات نفس الشيء ويشرح دافيد أنه هنالك فرق بين أن تكون من أفضل ٥٪ من أن تكون من أفضل ال١٪ في أي مجال ويطرح مثال كيف أنه لايريد أن يصبح مثل مايكل جوردن ويكون أفضل لاعب في الNBA ولكن يريد أن يلعب في الNBA و يكسب لقمة عيش (طبعاً لقمة العيش دراما أضفتها أنا ?)
  • العملية والناتج النهائي: يتكلّم دافيد كيف أنه في البداية تعلّم البرمجة لكي يسد إحتياجاته الشخصية عند بناء نظام إدارة محتوى ولم يستمتع بالبرمجة في أوّل الأمر لكن كان يستمتع في الناتج النهائي و مع مرور الوقت بدأ يستمتع في عملية البرمجة نفسها. نتعلم هنا كيف نعطي بعض الأمور وقت لكي نستمتع بها؟ أو إذا عندما يروق لك الناتج النهائي من أي أمر تعلّم كيف تصبر على العملية الإبداعية. أجد تشابه في نفس الموضوع في خلق المحتوى، حيث أكره عملية خلق المحتوى (مثل كتابة هذه التدوينة) ولكن غالباً أشعر برضى عند مشاهدتي للناتج النهائي.
  • البقاء على نفس المستوى: هنا ديفيد يتكلم عندما تكتب برنامج تجعل كل الدوال نفس المستوى ويشبه أي نظام رائع مكتوب بطريقة جيدة بجدول المحتويات في الكتب بحيث يمكنك فهم النظام ماذا يعمل والتعمّق في أي مستوى. هذا المفهوم هو مشابه لإطار شهير في الاستشارات الإدارية عند تصميم شرائح العرض ويسمّى بمبدأ التنافي والشمولية (MECE principle)

الملهم عموماً في قصة دافيد هو كيف أنه انتقل إلى أمريكا وأسس شركة ناجحة مثل Basecamp من خلال إنتاجه لعمل جيّد بشهادة سوق ناضج مثل سوق أمريكا. هذا الأمر يشعرني بالتفاؤل بحيث أركّز على عمل جيّد والفرصة سوف تأتي (طبعاً عند فعلك للإسباب ?)

هذا ما أذكره حالياً من المحادثة ومرة أخرى أنصح الجميع بالإستماع للمقابلة.

كيف تستخدم ذاكرتك العشوائية بفعالية؟

كل مرة أفكّر بما يحدث في مخّي، أتخيل أن هنالك أمرين: ذاكرة عشوائية ( RAM) و مساحة تخزين (Hardisk) .

طبعاً الذاكرة العشوائية هي ببساطة تحدد كم تطبيق تستطيع فتحه في نفس الوقت وهي مؤقته فعندما تقوم بإطفاء الجهاز، تذهب كل التطبيقات التي فتحتها وعليك أن تفتحها من جديد.

أشعر أن الإنسان يملك ذاكرة عشوائية محدودة من ناحية أنه يمكنك التفكير في أمور محدودة في نفس الوقت ولا تستطيع التفكير في أمور عدة ويختلف الأشخاص في مساحة الذاكرة العشوائية. (معلومة من جعبتي من دون إستناد على أي أدلة علمية ?)

أحد الأمور التي أحاول أن أطبقها مؤخراً هو إختيار الأمور التي أريد أن احضرها للذاكرة العشوائية والأمور التي أريد أن أبقيها في مساحة التخزين بحيث تكون مخزّنة ويمكنني إستدعائها في أي وقت.

فمثلاً .. تبدأ يومك وتستعد لكتابة موضوع جديد مما يتطلب منك جهد ذهني عالي، تبدأ في العمل وذاكرتك كلّها مخصصة لهذا الموضوع وبعد لحظات أتاك تنبيه على هاتفك المحمول وإذا به صديقك يتكلّم عن خلاف حصل بالأمس.

عندما رأيت التنبيه لاشعورياً إنفتحت نافذة في ذاكرتك العشؤائية حتي لو صغّرتها وأكملت الكتابة، تبقى النافذة مفتوحة في الخلفية وبدلاً من أن الذاكرة العشوائية مخصصة ١٠٠٪ للكتابة، اصبحت ٧٠٪ مخصصة للكتابة و٣٠٪ للمشكلة التي رأيتها و لا إرادياً إستحوذت على جزء من ذاكرتك العشوائية مهما صغّرتها ونويت عدم التعامل معها الآن.

مثال آخر: عندما تتصفح بريدك الإلكتروني قبل النوم وفجأة رأيت رد من أحد العملاء عن مشكلة في المنتج ولايمكنك الرد عليه الآن لإنك تحتاج أن تستشير الفريق فلذلك عليك الإنتظار إلى الغد. طبعاً لأنك تتجهز للنوم ولايمكنك العمل على هذه المشكلة الذي يحصل أنك تذهب إلى النوم ولكن فعلياً لم تقم بإطفاء كامل المخ لإن نافذة معينة فتحتها قبل النوم (البريد الذي شاهدته) مما قد يؤثر على سرعة الخلود إلى النوم ومزاجك صباح الغد.

أي حلول مقترحة يالفيلسوف؟

أشعر أن أحد الحلول هو التخطيط لليوم ومحاولة التحكّم بالبيئة والمشتتات على قدر الإمكان . كن صادق مع نفسك وتعرّف على حجم ذاكرتك العشوائية وتعامل معها بفعالية. أنت إنسان وليس آلة فمواردك محدودة.

الإبداع والذاكرة العشوائية

هذا موضوع لاأعلم إذا هو مرتبط أو لا لكن في الأمور الإبداعية ينصح في تحميل الذاكرة العشوائية ببعض الأمور وتدعها تتسلسل للعقل الباطن قبل النوم. جرّبت هذه الطريقة في الكتابة فعندما أعطي مهمة لعقلي قبل النوم للتفكير في موضوع غد، أجد عقلي الباطن لاشعورياً وبجهد غير مُنهٍك أتاني ببعض الأفكار الجميلة (أحياناً جميلة ?)وأعتقد أني قرأت على الإنترنت بحث يؤكد هذا الشيء.

أيضاً عند الإنتظار في السيارة أو في المصعد. دع عقلك يرتاح ولاتفتح الكثير من النوافذ التي تشغل الذاكرة العشوائية وتحرمها من السرحان المفيد خاصة إذا لم يكن بإمكانك التعامل مع الأمور المفتوحة في الوقت الحالي.

بأي لغة يفكّر متعدد اللغات؟

أحد الأمور التي لا أشكره الله عليها بشكل كافي هي أني ولدت ولغتي الأم هي اللغة العربية. المكان الذي ولدت فيه والبيئة التي نشئت فيها سمحت لي بتعلّم القرآن الكريم وتقويم لساني. ولدت في بيت يقرأ و أذكر أني في الصف الثالث الإبتدائي، في حصة التعبير لم يصدّق المعلّم ماكتبته وقال لي أنت لم تكتب هذا، منبهر جداً من الإسلوب!

تسألني ماذا حدث لك عبدالرحمن؟ لماذا كل تدويناتك فيها أخطاء إملائية؟ تستخدم كلمات مترادفة؟ أو متضادة أحياناً ?

أمممم أعتقد ببساطة من عمر ثمانية عشر سنة بدأت في إستهلاك المحتوى الإنجليزي وإنقطعت عن إستهلاك المحتوى العربي إلى حوالي سن الثلاثين.

لكن في السنوات الآخيرة بعد تعرّفي لبعض الإصدقاء العرب الذين لسبب ما أصبحت اللغة الإنجليزية هي لغتهم المستخدمة في الحديث ويواجهون صعوبة بالتعبير في اللغة العربية و قراءة القرآن بشكل صحيح حينها أدركت كم أني في نعمة لا أشكرها بالشكل الكافي.

السنة الماضية كنت أتحدث مع صذيقي أنس قدس. مسلم مغربي من أصل أمازيغي وولد في هولندا. يتحدث أنس العربية و الفرنسية و الإنجليزية و تريفيت (لغة أمازيغية) بدرجات متفاوتة في الطلاقة وسألته عندما تفكّر، أي لغة تستخدم ؟ أجاب أنس ” يعتمد على السياق، أحياناً بالإنجليزية و الهولندية في الأمور الشخصية لتمكني من إستخدام المراجع الثقافية ( cultural references ) لعدم معرفتي مالذي يقابلها في اللغة الإنجليزية وفي الصلاة أو عند مخاطبة الله أستخدم العربية و عندما لا أعرف الكلمة التي تعبّر عن سؤالي أنتقل إلى لغة التريفيت بغير إدراك”. إستطردت وسألت أنس عن لو إفترضنا أنه يحتاج إلى إبقاء لغتين فقط ، يمكنك الإستماع لإجابته هنا. ?

حديثي مع أنس دعاني إلى التفكير. الآن الله أنزل القرآن باللغة العربية وأنا ولدت أتحدّث هذه اللغة وهي اللغة التي أعرفها إلى أنا أصبح عمري أربعة عشر عاماً ولا أستثمر فيها بالشكل الكافي؟ في الحقيقة أشعر بالتقصير. طبعاً الهاجس الآخر هو ضرورة الإتقان للغة الإنجليزية لما فيه من بعد إستراتيجي و ربط مع العالم الخارجي. التحدي هنا هو أني أريد أن أكون متمكّن من كلتا اللغتين. العربية لأسباب كثيرة والإنجليزية لأبعاد إستراتيجية. (نعم، أحاول إستخدام كلمة إستراتيجية كلما سمحت لي الفرصة أو حتى لو لم تسمح ?)

ألاحظ حالياً أني عندما أكتب باللغة العربية أترجم من غير إدراك. ترتيب الكلمات في رأسي يتأثر لأني أترجم ، فكأن الكلام يأتيني باللغة الأنجليزية (على حسب الموضوع) ومن ثم أترجمه إلى اللغة العربية.

لاأعرف كيف أعطّل الترجمة وأكتب من مخزون الكلمات العربية التي يأتي معها الأسلوب الذي أعلم أني أعرفه لكن لايمكنني الوصول إليه بسبب الطريقة التي بدأت فيها الكتابة.

قمت ببحث بسيط عن عن القراءة والكتابة بأكثر من لغة، ووجدت بعض المقولات التي تستحق المشاركة:

أمين الزاوي

وأشعر بسعادة في هذه القراءة المزدوجة التي تثير في مخيالات متعددة وفضولا متعددا.. لذا، فاختيار لغة الكتابة ليس نتاج عقدة؛ إنما نتاج مغامرة، هو نتاج العيش والسكن في الآخر وفي الذات في الوقت نفسه.ـ

أحمد م. أحمد – المصدر


يرى الشاعر والمترجم السوري أحمد م. أحمد الذي يترجم عن اللغة الإنكليزيَّة أن: “لا شيء يغني النصّ الأدبي أكثر من اطّلاع كاتبه على آداب وثقافات أخرى، أشعر بغنى أكبر وبقدرتي على الدخول إلى عوالم أكثر اتساعاً مع لغتي الإنكليزيَّة، فهي اللغة التي تترجَم إليها أولاً كافة الثقافات الأخرى”، وعن التأثير يتابع: “أنا مسكون بلغتي العربيَّة، ومع ذلك تطعَّم نصّي العربي بمؤثّرات شعراء يكتبون بالإنكليزيَّة، ومعظم هذه المؤثرات عبرتْ (فلتر المقارنة) الذي أحمله في داخلي. تشبّعتُ بنصوص لبعض الشعراء، ونبذتُ بعضها الآخر، هناك فرق كبير بين قصيدة سيميك “ماذا قال الغجر” وبين قصيدته عن الكلب ذي الأرجل الستّ، الأولى ملهمة وعميقة وصادمة، والثانية، برأيي الشخصي، غير صالحة للنشر. إذاً، هناك شيء اسمه التأثّر العكسي، إن تتمرَّد على تقاليد شاعر غربي، وتعود لتعتدَّ بشعريَّة العرب، وأدَّعي أن تأثّري كان تأثُّراً عكسيَّاً، إلّا من (الجرأة) التي اكتسبتُها من نصوص الثقافة الأخرى، الجرأة الشكلانيَّة، بالإضافة إلى العوالم والصور، التي شعرتُ في بعض كتابتي أنني تجاوزتها. أنا من جماعة (التأثر العكسي)، ولستُ مصاباً برهاب الأسماء الغربيَّة الكبيرة، وهذا نوع من التأثّر (أُدين) به لآداب الغرب”، وحول كتابته بلغة مختلفة عن لغته الأمّ يقول أحمد: “أكتب بالإنكليزيَّة أحياناً، لكن عوالم هذه الكتابات، على قلّتها، هي عوالم وهموم عربيَّة، لكنها لو نُشرت لأعطت القارئ الناطق بالإنكليزية تصوّراً ما عن الثقافة العربيَّة، بالمقابل، لا أجد مشكلة في استخدام كلمة إنكليزية في نصٍّ لي، أو حادثة، أو اسم صديق أو امرأة أميركية حيث أقمتُ لسنوات، أفكّر باللغتين، وأعيشُ الثقافتين دون أدنى فصام، فالألم والأمل البشريّان واحدان، لا أشغل نفسي بهذه الثنائية (نحنُ وهُمُ) ولا أنظر إلى الغرب كـ(آخر). الفارق الأكبر أن الغرب أكثر أخلاقيَّة في ما يتعلّق بالتأثر والتأثير، فكثيرون منهم يعترفون ويفتخرون بتأثرهم بشعراء ذوي أصول إسلاميَّة، بينما يعتبر القومجي أن ترجمة تيار فكري غربي جديد هو “غزو ثقافي”، وينظر المثقف/الشيخ العربي إلى أن التأثر بالغرب زنا واعتداء على إحدى حريمه: السيدة اللغة العربيَّة. وأنا مع (الغزو الثقافي)، ومع الاعتداء على (الحريم اللغوي العربيّ)

سوار الملاّ- المصدر

ماذا بخصوص لغة كالألمانيَّة؟ بهذا الصدد يقول المترجم السوري سوار الملّا الذي يترجم عن اللغة الألمانيَّة: “أن تقرأ بلغتين يعني أنَّك تمتلك ثقافتين، وهذا أمرٌ ممتع بقدر ما هو مفيد. بالإضافة إلى ذلك ثمة أشياء لا يمكنك قط قراءتها إن لم تكن تجيد أكثر من لغة، كما أن الترجمات وحدها قد لا تكفي في معظم الأحيان لفهم نصٍّ معيّن أو حتى للتعرّف إلى جماليّته. إجادة لغتين تسهّل عليك مهمة التأكّد من معلومات تعرفها أو تود معرفتها، كما إنها مفتاحٌ سحري لفهم العالم بصورة أوضح وأكثر دقّة، إنها نافذة إضافية تُبيِّن لك جانباً مستتراً من العالم من حولك. ثمة كتبٌ كثيرة، لا تكاد تحصى، ليست مترجمةً رغم أنها مهمّة وتتمتّع بجماليّة خاصّة، لكنها لسوء الحظِ لم تُترجَم، وهذه الكتب تحديداً لن يقرأها سوى ذاك الذي يتقن أكثر من لغة ويعرف أكثر من ثقافة”.

أشرف القرقنّي- المصدر

يذهب المترجم والشاعر التونسي “أشرف القرقنّي” إلى مكانٍ أشدّ تعقيداً حول الموضوع فيقول: “يمكنك أن تقول “أمّي” بكلّ اللّغات الممكنة. سوف يؤدّي ذلك وظيفته إخباراً أو نداءً أو غير ذلك. لكن، توقّف قليلاً. قلها بلغتك الأمّ. فقط، حينئذ يمكنك أن تصيب الهدف في عينه: استحضارُها مكتملةً ومنسابة مع صور من الذّكرى تُستعادُ في داخلك بقوّةِ ما هو كائنٌ حقّا. أعتقد أنّ اللّغة الأمّ تشبه بيت الطّفولة لدى غاستون باشلار. إنّه المكان/ الكيانُ. وهو محرّك الأمكنة الأخرى التي نمضي إليها لاحقاً. من عدسته الباطنيّة نطلّ على العالم ونختبره. لهذا يقول بعضهم إنّ اللّغة الأمّ نشعر بها ونحسّ بها (ويحلو لي أن أقول فيها بما أنّها تحتوي حضورنا في العالم على نحوٍ مّا). بينما اللغات الأخرى التي نتملّكها ونكتب بها حتّى، فنحن نفكّر بها وندرك بها مفاهيم ومعطيات وتصوّرات”.
يتابع أشرف: “تتنازع اللّغات في ذهن متكلّمها حسب الجاحظ. وأنا لا أخالفه تماماً. لستُ أملك تصوّراً دقيقاً لكيفيّة اشتغال الذّهن البشريّ في شتّى تفصيلاته، بما أنّ ذلك بصدد الدّراسة والاكتشاف المتجدّدين. لكنّني أكادُ أكون متيقّناً أنّه لا فصل بين هذا العرفان وبين المخيّلة وبالتّالي الذّاكرة. تقتحم اللّغات الأخرى التي يكتب بها الكاتب ويتداولها ذهنه. تخلق مساحات أخرى وتصوّرات كامنةً فيها، كانت قد اختزنتها طيلة تطوّرها الحيويّ في ثقافة مّا. وإذ تفعل ذلك تثري مخيّلتنا. لكنّنا لا نتعاطى مع الذّاكرة إلاّ من خلال المخيّلة. وعلى هذا الأساس يتبدّل ما كنّا قد عشناه سلفاً. يتغيّر على أنحاء مختلفة تختلف في الحدّة والشّكل. نراه من خلال حجبٍ شفّافة لكنّها تبدّل أبعاده وبالتالي تساهم في تغيير دلالاته. وإذا ما تغيّرت ذاكرتنا، فإنّ حاضرنا يتغيّر بدوره. الكتّاب الذين يقيمون في الخارج. وتكون لغة الاستعمال لديهم هي اللّغة المكتسبة، قد يخفّ حجم التّوتّر لديهم، بما أنّهم يجذّرون -وعلى نحو مستمرّ -انتماءهم إلى اللّغة الجديدة. اللّغة بدورها كائنٌ حيّ. وأن تتكلّم وتكتب خاصّة بأكثر من واحدة يعني أن يتنازع كيانك حبّ أكثر من امرأة ورجل في نفس الوقت”.

أيضاً موضوع مرتبط عن اللغة الأم. قصة من بودكاست This American Life عن عائلة هندية هاجرت إلى كندا ومحاولتهم مع أبنائهم في تعليم لغتهم الأم.